فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.
أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد انتهى.
ولا يصح هذا القول لأنّ أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفًا، إما استفهامًا، وإما شرطًا.
وفي هذا التقدير تكون ظرفًا بمعنى وقت مضافًا للجملة بعدها، معمولًا لقوله: {واحد} كقولك: يوم يقوم زيد قائم.
وفي قوله: {أيان يبعثون} دلالة على أنه لابد من البعث، وأنه من لوازم التكليف.
ولما ذكر تعالى ما اتصفت به آلهتهم بما ينافي الألوهية، أخبر تعالى أنّ إله العالم هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ وأن الذين لا يؤمنون بالجزاء بعد وضوح بطلان أن تكون الإلهية لغيره بل له وحده، هم مستمرون على شركهم، منكرون وحدانيته، مستكبرون عن الإقرار بها، لاعتقادهم الإلهية لأصنامهم وتكبرها في الوجود.
ووصفهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة مبالغة في نسبة الكفر إليهم، إذ عدم التصديق بالجزاء في الآخرة يتضمن التكذيب بالله تعالى وبالبعث، إذ من آمن بالبعث يستحيل أن يكذب الله عز وجل.
وقيل: مستكبرون عن الإيمان برسول الله وأتباعه.
وقال العلماء: كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان.
وفي الحديث الصحيح: «إنّ المستكبرين يجيؤون أمثال الذر يوم القيامة، يطؤهم الناس بأقدامهم» أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام في {لا جرم} في هود.
وقرأ عيسى الثقفي {إن} بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله.
وقال بعض أصحابنا: وقد يغني لا جرم عن لفظ القسم، تقول: لا جرم لآتينك، فعلى هذا يكون لقوله: {إن الله} بكسر الهمزة تعلق بلا جرم، ولا يكون استئنافًا.
وقد قال بعض الأعراب لمرداس الخارجي: لا جرم والله لأفارقنك أبدًا، نفى كلامه تعلقها بالقسم.
وفي قوله: {يعلم ما يسرون وما يعلنون} وعيد وتنبيه على المجازاة، وقال يحيى بن سلام، والنقاش: المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
ولا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين، يأخذ كل واحد منهم بقسطه.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}.
قيل: سبب نزول وإذا قيل لهم الآية، أنّ النضر بن الحرث سافر عن مكة إلى الحيرة، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة، وأخبار اسفنديار ورستم، فجاء إلى مكة فكان يقول: إنما يحدث محمد بأساطير الأولين وحديثي أجمل من حديثه.
وما كلمة استفهام مفعول بأنزل، أو مبتدأ خبره ذا بمعنى الذي، وعائده في أنزل محذوف أي: أي شيء الذي أنزله.
وأجاز الزمخشري أن يكون ماذا مرفوعًا بالابتداء قال: بمعنى أي شيء أنزله ربكم.
وهذا لا يجوز عند البصريين إلا في ضرورة الشعر، والضمير في لهم عائد على كفار قريش.
وماذا أنزل ليس معمولًا لقيل على مذهب البصرين، لأنه جملة، والجملة لا تقع موقع المفعول الذي لم يسم فاعله، كما لا تقع موقع الفاعل.
وقرئ شاذًا: {أساطير} بالنصب على معنى ذكر ثم أساطير، أو أنزل أساطير على سبيل التهكم والسخرية، لأنّ التصديق بالإنزال ينافي أساطير، وهم يعتقدون أنه ما نزل شيء ولا أن ثمّ منزل.
وبنى قيل: للمفعول، فاحتمل أن كون القائل بعضهم لبعض، واحتمل أن يكون المؤمنون قالوا لهم على سبيل الامتحان.
وقيل: قائل ذلك الذين تقاسموا مداخل مكة ينفرون عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج: ماذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أحاديث الأولين.
وقرأ الجمهور: برفع {أساطير} فاحتمل أن يكون التقدير المذكور: أساطير، أو المنزل أساطير، جعلوه منزلًا على سبيل الاستهزاء، وإن كانوا لا يؤمنون بذلك.
واللام في ليحملوا لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم، أو لام التعليل من غير أن يكون غرضًا كقولك: خرجت من البلد مخافة الشر، وهي التي يعبر عنها بلام العاقبة، لأنهم لم يقصدوا بقولهم: أساطير الأولين، أن يحملوا الأوزار.
ولما قال ابن عطية: إنه يحتمل أن تكون لام العاقبة قال: ويحتمل أن يكون صريح لام كي على معنى قدر هذا لكذا، وهي لام التعليل، لكنه لم يعلقها بقوله.
قالوا: بل أضمر فعلًا آخر وهو: قدر هذا، وكاملة حال أي: لا ينقص منها شيء، ومِن للتبعيض.
فالمعنى: أنه يحمل من وزر كل من أضل أي: بعض وزر من ضلّ بضلالهم، وهو وزر الإضلال، لأنّ المضل والضال شريكان، هذا يضله، وهذا يطاوعه على إضلاله، فيتحاملان الوزر، وقال الأخفش: مِن زائدة أي: وأوزار الذين يضلونهم، والمعنى: ومثل {أوزار الذين يضلونهم} كقوله: «فعليه وزرها ووزر عن عمل بها إلى يوم القيامة» المراد: ومثل وزر، والمعنى: أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه حتى أن ذلك العقاب يكون مساويًا لعقاب كل من اقتدى به في ذلك.
وقال الواحدي: ليست مِن للتبعيض، لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام: «من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» لكنها للجنس أي: ليحملوا من جنس أوزار الاتباع انتهى.
ولا تتقدر من التي لبيان الجنس هذا التقدير الذي قدره الواحدي، وإنما تقدر: الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم، فيؤول من حيث المعنى إلى قول الأخفش، وإن اختلفا في التقدير.
وبغير علم قال الزمخشري: حال من المفعول أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضلال.
وقال غيره: حال من الفاعل وهو أولى، إذ هو المحدث عنه المسند إليه الإضلال على جهة الفاعلية، والمعنى: أنهم يقدمون على هذا الإضلال جهلًا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال.
ثم أخبر تعالى عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وتقدم الكلام في إعراب مثل ساء ما يزرون. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إلهكم إله واحد}.
لا يشاركه شيءٌ في شيء، وهو تصريحٌ بالمدعى وتمحيضٌ للنتيجة غِبَّ إقامةِ الحجة {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} وأحوالِها التي من جملتها ما ذكر من البعث وما يعقُبه من الجزاء المستلزِمِ لعقوبتهم وذِلتهم {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} للوَحدانية جاحدةٌ لها أو للآيات الدالة عليها {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاعتراف بها، أو عن الآيات الدالة عليها، والفاء للإيذان بأن إصرارَهم على الإنكار واستمرارَهم على الاستكبار وقعَ موقع النتيجة للدلائل الظاهرةِ والبراهينِ الباهرة، والمعنى أنه قد ثبت بما قُرّر من الحجج والبينات اختصاصُ الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارُهم على ما ذكر من الإنكار والاستكبار، وبناء الحكم المذكورِ على الموصول للإشعار بكونه معللًا بما في حيّز الصلة، فإن الكفرَ بالآخرة وبما فيها من البعث والجزاء المتنوِّع إلى الثواب على الطاعة والعقابِ على المعصية يؤدِّي إلى قصر النظر على العاجل، والإعراضِ عن الدلائل السمعية والعقليةِ الموجبِ لإنكارها وإنكارِ مؤدّاها، والاستكبارِ عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام وتصديقِه، وأما الإيمانُ بها وبما فيها فيدعو لا محالة إلى التأمل في الآيات والدلائلِ رغبةً ورهبة فيورث ذلك يقينًا بالوحدانية وخضوعًا لأمر الله تعالى.
{لاَ جَرَمَ} أي حقًا وقد مر تحقيقُه في سورة هود {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من إنكار قلوبِهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} من استكبارهم وقولِهم للقرآن أساطيرُ الأولين وغيرِ ذلك من قبائحهم فيجازيهم بذلك {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} تعليلٌ لما تضمنه الكلامُ من الوعيد، أي لا يحب المستكبرين عن التوحيد أو عن الآيات الدالةِ عليها أو لا يحب جنسَ المستكبرين، فكيف بمن استكبر عما ذكر.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي لأولئك المنكِرين المستكبرين، وهو بيانٌ لإضلالهم غِبَّ بيانِ ضلالهم {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} القائلُ: الوافدون عليهم أو المسلمون أو بعضٌ منهم على طريق التهكم، وماذا منصوبٌ بما بعده أو مرفوع، أي أيَّ شيءٍ أنزل أو ما الذي أنزله {قَالُواْ أساطير الأولين} أي ما تدّعون نزوله، والمنزلُ بطريق السخرية أحاديثُ الأولين وأباطيلهم وليس من الإنزال في شيء، قيل: هؤلاء القائلون هم المقتسمون الذين اقتسموا مداخلَ مكةَ ينفِّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال وفودِ الحاجِّ عما نزل عليه عليه السلام.
{لِيَحْمِلُواْ} متعلق بقالوا أي قالوا ما قالوا ليحملوا {أَوْزَارَهُمْ} إلخ.اصةَ بهم وهي أوزارُ ضلالهم {كَامِلَةٌ} لم يكفَّرْ منها شيءٌ بنكبة أصابتهم في الدنيا كما يكفّر بها أوزارُ المؤمنين {يَوْمُ القيامة} ظرفٌ ليحمِلوا {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} وبعضِ أوزارِ مَنْ ضل بإضلالهم وهو وِزرُ الإضلال لأنهما شريكان، هذا يُضله وهذا يطاوعه، فيتحاملان الوزر، واللام للتعليل في نفس الأمر من غير أن يكون غرضًا، وصيغةُ الاستقبال للدلالة على استمرار الإضلالِ أو باعتبار حال قولِهم لا حالِ الحمل {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من الفاعل أي يضلونهم غيرَ عالمين بأن ما يدْعون إليه طريقٌ للضلال، وأما حملُه على معنى غيرَ عالمين بأنهم يحمِلون يوم القيامة أوزارَ الضلال والإضلال على أن يكون العاملُ في الحال قالوا وتأييدُه بما سيأتي من قوله تعالى: {وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من حيث إن حملِ ما ذكر من أوزار الضلالِ والإضلال من قبيل إتيانِ العذاب من حيث لا يشعرون فيردُّه أن الحملَ المذكورَ إنما هو يوم القيامة والعذابَ المذكور إنما هو العذابُ الدنيوي، كما ستقف عليه، أو حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضُلاّلٌ، وفائدةُ التقييد بها الإشعارُ بأن مكرهم لا يرُوج عند ذي لُب، وإنما يتبعهم الأغبياء والجهلة، والتنبيهُ على أن جهلَهم ذلك لا يكون عذرًا إذ كان يجب عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين الحقِّ الحقيقِ بالاتباع وبين المُبطل {أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} أي بئس شيئًا يزِرونه ما ذكر. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة}.
وأحوالها التي من جملتها البعث وما يعقبه من الجزاء {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} للوحدانية جاحدة لها أو للآيات الدالة عليها {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاعتراف بها أو عن الآيات الدالة عليها، والفاء للإيذان بأن إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار وقع موقع النتيجة للدلائل الظاهرة والبراهين القطعية فهي للسببية كما في قولك: أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إلي، والمعنى أنه قد ثبت بما قرر من الدلائل والحجج اختصاص الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار، وبناء الحكم على الموصول للإشعار بعلية ما في حيز الصلة له، فإن الكفر بالآخرة وبما فيها من البعث والجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب يؤدي إلى قصر النظر على العاجل وعدم الالتفات إلى الدلائل الموجب لإنكارها وإنكار موداها والاستكبار عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به، وأما الإيمان بها وبما فيها فيدعو لا محالة إلى الالتفات إلى الدلائل والتأمل فيها رغبة ورهبة فيورث ذلك يقينًا بالوحدانية وخضوعًا لأمر الله تعالى قاله بعض المحققين.
ومن الناس من قال: المراد وهم مستكبرون عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، فيكون الإنكار إشارة إلى كفرهم بالله تعالى والاستكبار إشارة إلى كفرهم برسوله صلى الله عليه وسلم والأول أظهر، وإسناد الإنكار إلى القلوب لأنها محله وهو أبلغ من إسناده إليهم، ولعله إنما لم يسلك في إسناد الاستكبار مثل ذلك لأنه أثر ظاهر كما تشير إليه الآية بعد؛ وقد قال بعض العلماء: كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان.
{لاَ جَرَمَ} أي حق أو حقًا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من الإنكار {وَمَا يُعْلِنُونَ} من الاستكبار، وقال يحيى بن سلام.
والنقاش: المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي عليه الصلاة والسلام، وهو كما ترى، وأيًا ما كان فالمراد من العلم بذلك الوعيد بالجزاء عليه، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع بلا جرم بناء على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل.
وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو حقًا، وقيل: مرفوع بجرم نفسها على أنها فعل ماض بمعنى ثبت ووجب و{لا} نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه: {لاَ أُقْسِمُ} [البلد: 1]. على وجه.
وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية لجرم على أنها فعل أيضًا لكن بمعنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق، وقيل: إنه خبر {لا} حذف منه حرف الجر و{جَرَمَ} اسمها، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم إلخ، وقد مر تمام الكلام في ذلك.
وقرأ عيسى الثقفي {إن} بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني {لاَ جَرَمَ} عن القسم تقول: لا جرم لآتينك وحينئذٍ فتكون الجملة جواب القسم {أَنَّهُ} جل جلاله {لاَ يُحِبُّ المستكبرين} أي مطلقًا ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولًا أوليًا، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى، وأيًا ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم، وجوز كونه عامًا مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلًا عمن اتصف به، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفًا وأظنه قد تقدم أيضًا؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جدًا.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي لأولئك المستكبرين، وهو بيان لإضلالهم غب بيان ضلالهم، وقيل: الضمير لكفار قريش الذين كانوا كما روي عن قتادة يقعدون بطريق من يغدو على النبي صلى الله عليه وسلم ليطلع على جلية أمره فإذا مر بهم قال لهم: {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} على محمد عليه الصلاة والسلام {قَالُواْ أساطير الاولين} أي ما كتبه الأولون كما قالوا: {اكتتبها فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5]. فالأساطير جمع اسطار جمع سطر فهو جمع الجمع؛ وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة وأراجيح ومقصودهم من ذلك أنه لا تحقيق فيه، وقيل: القائل لهم بعض المسلمين ليعلموا ما عندهم وقيل: القائل بعضهم على سبيل التهكم وإلا فهو لا يعتقد إنزال شيء، ومثل هذا يقال في الجواب عن تسميته بالمنزل في الجواب بناءا على تقدير المبتدأ فيه ذلك، ويجوز أن يسموه بما ذكر على الفرض والتسليم ليردوه كقوله: {هذا رَبّى} [الأنعام: 77]، وقيل: قدروه منزلًا مجاراة ومشاكلة.
وفي الكشاف أن {مَاذَا} منصوب بأنزل أي أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء بمعنى أي شيء أنزله ربكم، فإذا نصبت فمعنى {أساطير الاولين} ما تدعون نزوله ذلك، وإذا رفعت فالمعنى المنزل ذلك كقوله تعالى: {مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} [البقرة: 219]. فيمن رفع اه، وقد خفي تحقيق مرامه على بعض المحققين، فقد قال صاحب الفرائد: الوجه أن يكون مرفوعًا بالابتداء بدليل رفع {أساطير} فإن جواب المرفوع مرفوع وجواب المنصوب منصوب ولم يقرأ أحد هنا بالنصب.
وقال صاحب التقريب: إن في كلام الزمخشري نظرًا وبينه بيما بينه وأجاب بما أجاب، وأطال الطيبي الكلام في ذلك، وقد أجاد صاحب الكشف في هذا المقام فقال: إن قوله أو مرفوع بالابتداء بمعنى أي شيء أنزله إيضاح وإلا فالمعنى ما الذي أنزله على المصرح به في المفصل إذ لا وجه لحذف الضمير من غير استطالة مع أن اللفظ يحتمل النصب والرفع احتمالًا سواء، وعلى ذلك يلوح الفرق بين التقديرين ظهورًا بينًا، فإن المنصوب وإن دل على ثبوت أصل الفعل وأن السؤال عن المفعول متقاعد عن دلالة المرفوع فقد علم أن الجملة التي تقع صلة للموصول حقها أن تكون معلومة للمخاطب وأين الحكم المسلم المعلوم من غيره، وإذا ثبت ذلك فليعلم أنه على تقديرين لم يطابق به الجواب لقوله في {قَالُواْ خَيْرًا} [النحل: 30]. طوبق به الجواب بخلاف {أساطير} وقوله هنا كقوله تعالى: {مَاذَا يُنفِقُونَ} [البقرة: 219]. إلى آخره فيمن رفع تشبيه في العدول إلى الرفع لا وجهه فإن الجواب هنالك طبق السؤال بخلاف ما نحن فيه، وإنما قدر ما تدعون نزوله على تقدير النصب لأن السائل لم يكن معتقدًا لإنزال محقق بل سئل عن تعيين ما سمع نزوله في الجملة فيكفي في رده إلى الصواب ما تدعون نزوله أساطير، وأما على تقدير الرفع فلما دل على أن الإنزال عنده محقق مسلم لا نزاع فيه وإنما السؤال عن التعيين للمنزل أجيب بأن ذلك المحقق عندك أساطير تهكمًا إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في رده إلى الصواب بالتهكم به وأنه بت الحكم بالتحقيق في غير موضعه فأرى السائل أنه طوبق ولم يطابق في الحقيقة بل بولغ في الرد، ويشبه أن يكون الأول جوابًا للسؤال فيما بينهم أو الوافدين، والثاني جوابًا عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس على ما ظن، هذا هو الأشبه في تقرير قوله الموافق لما ذكره من بعد على ما مر.